يشير ما ندعوه اخضرار الثقافة إلى امتداد الدراسات البيئية إلى حقول معرفية متنوعة، بعد أن اقتصرت على العلوم الطبيعية ردحًا من الزمن. فقد دفع تفاقم الأزمة البيئية الشاملة وتصاعد خطورتها وعدم كفاية الحلول المطروحة على صعيد علمي - تقني بحت، إلى بروز تيارات فكرية تتقصى جذور هذه الأزمة لتجد أنها في المآل ترجع إلى المحمولات الفكرية التي توجه الإنسان في علاقته مع العالم من حوله.
ظهرت الإيكولوجيا (علم البيئة) ecology في أواخر القرن التاسع عشر كفرع من البيولوجيا العضوية. وقد اشتق العالم الألماني أرنست هايكل المصطلح من الكلمة اليونانية oikos التي تعني منزل الأسرة، ونقل دلالة الكلمة إلى منزلنا - الأرض. فكانت الإيكولوجيا تعني دراسة العلاقات التي تربط أعضاء كوكب الأرض. ومع استخدام مصطلح بيئة environment بعد عدّة سنوات ليدل على الشروط المحيطة بالكائن الحي، استقر التعريف العلمي للإيكولوجيا على اعتبارها العلم الذي يدرس العلاقات التبادلية بين الكائنات الحية وبيئتها. ومع بروز السبرانية ونظرية المنظومات العامة في النصف الثاني من القرن العشرين، أدخل العلماء مصطلح المنظومة البيئية ليدل على مجتمع من الكائنات الحية وبيئتها المادية يتفاعلان كوحدة متكاملة غير قابلة للاختزال. وأصبح كوكب الأرض هو المنظومة البيئية الشاملة التي تعشِّش ضمنها المنظومات القطاعية وتترابط فيما بينها على نمط شبكي. وقد تشعبت الإيكولوجيا إلى ميادين كثيرة تداخلت مع الفروع العلمية الأخرى – مع علوم النبات والحيوان والكيمياء والمناخ والتطبيقات الهندسية والزراعية ودراسات الطاقة بأشكالها المتنوعة. فاخضرّت العلوم الطبيعية شيئًا فشيئًا وتراكمت معرفة وافرة حول المنظومات البيئية وقوانينها وطبيعة العلاقات الناظمة لها.