علم السكان (الديموغرافيا)علم السكان كفرع معرفي يهتم بالنساء
"من المفيد، في الوقت الحاضر على الأقل، أن نتعامل مع موضوع دراستنا بتطبيقه على أحد الجنسين فقط. ولأسباب
هكذا ولد علم السكان الرياضي في ١٩٣٩ م، مستبعدا الرجال من .(Lotka 1998, عملية سنختار الإناث من السكان" ( 113
اعتباره. وتتضمن المعادلات الأساسية عند لوتكا الإناث فقط، ومنها يستخرج عدد الذكور على أساس النسبة بين المواليد الذكور
والإناث، وهو عامل بيولوجي ثابت. ومن وجهة نظره فإن اختياره صياغة نموذج للسكان بناء على عنصر الإناث كان ولا شك
على سبيل تسهيل الإجراءات المنهجية، وقد كان اختيارا مبررا باعتبار أن "فترة الإنجاب عند المرأة أكثر تحديدا منها عند الرجل،
.(Lotka كما أن النسب إلى الأم يكون معلوما في كل الحالات تقريبا" ( 1998
وفيما بعد، مع تصاعد الزيادة السكانية في الدول النامية - نتيجة الزيادة الكبيرة في معدلات متوسط العمر المتوقع - ومع
ظهور تحديات "السكان والتنمية"، أكدت الحاجة إلى تقديرات لمعدلات الخصوبة والوفاة وكذلك إلى نماذج تفسيرية للنمو السكاني
ذلك التوجه إلى الإناث في مجال علم السكان. وتقاطع برنامج البحث العلمي للسكان مع مشروعات تنظيم الأسرة، وهي الحركة
.(McNicoll الاجتماعية التي نمت داخل حملات حقوق النساء حتى أصبحت جزءا من برامج عمل الهيئات الدولية ( 1992
وفي الستينات من القرن العشرين، حين كانت الأرقام الدقيقة ما زالت غائبة بالنسبة لثلاثة أرباع سكان العالم، صمم براس
سلسلة من الوسائل غير المباشرة من أجل تقدير معدل الخصوبة والوفيات في البلدان التي لم (Brass et al. مع آخرين ( 1968
يكن لديها مثل هذه البيانات أو كان لديها بيانات ناقصة، وذلك من خلال جمع "تواريخ الأمهات" (وهو حاصل كل الأطفال المولودين
وسن الأم والوضع الحالي للأطفال، من أحياء ومتوفين) مع استخدام معادلات لوتكا. وقد كانت هذه المنهجيات مصدر الإلهام
للمسوح الكبرى التي شملت العالم كله وطبقت نموذجا موحدا تطبيقا صارما، ومنها "المسح العالمي للخصوبة" (أواخر السبعينات
وأوائل الثمانينات من القرن العشرين) وكذلك "المسح السكاني والصحي" (من منتصف ثمانينات القرن العشرين إلى اليوم). وبفضل
الاستبيانات التي ملأتها مئات الآلاف من النساء في سن الإنجاب (من ١٥ إلى ٥٠ ) تكشفت لأول مرة في التاريخ صورة شديدة
التفصيل لاتجاهات السكان على مدى عقدين من الزمان. وبذلك أصبحت النساء مصدر المعلومات الأساسي لعلم السكان في العالم.
لقد حدث ذلك نتيجة كون النساء الفاعل الأساسي في التغير السكاني. وكان حدوث إجماع من المجتمع الدولي على الالتزام
بتمكين النساء نوعا من التحول في النماذج الإرشادية للخطاب حول السكان، ذلك الخطاب الذي كانت السيادة فيه فيما مضى للنزعة
فآليات التفاعل السكاني وكذلك محددات هذه الآليات للتفاعل قد تم الكشف عنها بالتركيز .(Presser and Sen التنموية ( 2000
وهو أحد أكثر النماذج تطبيقا على ،(Bongaarts على النساء. فنموذج المحددات التقريبية للإنجاب الذي طرحه بونجارتس ( 1978
نطاق واسع على مدى الربع قرن الأخير في كل أنحاء العالم النامي، هو نموذج اتخذ المحددات من عناصر تتعلق كلها بالنساء،
مثل العمر عند بداية النشاط الجنسي وفترة الإرضاع الطبيعية واستخدامهن لوسائل منع الحمل واللجوء إلى الإجهاض. وكذلك فإن
وكان له آثار هامة على ،(Mosley and Chen الإطار النظري للحفاظ على حياة الأطفال والذي قدمه موسلى وتشين ( 1984
الأبحاث والسياسات، قد جعل للعوامل المتعلقة بالنساء دورا هاما في تحديد مستوى وفيات الرضع والأطفال.
وهناك الكثير من الدلائل العملية التي تشير إلى أن التحول من المعدلات المرتفعة للوفيات والخصوبة إلى المعدلات
المنخفضة في البلدان النامية خلال النصف الثاني من القرن العشرين يرتبط بالمتغيرات المتعلقة بالنساء أكثر من غيرها، والتي
دائما ما يأتي في مقدمتها انتشار تعليم البنات في المدارس وطول مدته، في علاقته بالنتائج السكانية. ويلي ذلك متغيرات مثل السن
عند الزواج لأول مرة والعمل خارج نطاق المنزل وبعض المتغيرات الأخرى. ولا تشكل عوامل تعليم الذكور أو الحد من الفقر
مصادر تفسيرات إحصائية تذكر في هذا المجال.
إن مسألة كون النساء عنصرا فاعلا وناشطا في التغير السكاني لا مجرد متلقيات سلبيات، وأنهن يأخذن على عاتقهن
مسؤولية ما يقمن أو لا يقمن به، هي مسألة تظهر في الجدل حول ما إذا كان تقديم الحكومات لوسائل تنظيم الأسرة سببا لانتشار
٤٤٢
تحديد النسل أم أنه مجرد وسيلة لذلك. فلقد وجد أن مستوى الخصوبة الفعلي لا يرتبط إلا قليلا بإمكانية الحصول على الخدمات
المساعدة لمنع الحمل، بل يحكمه الرغبة في مستوى محدد للخصوبة. وفي تحليل مقارن للمعلومات على مستوى العالم حول حجم
الأسرة المرغوب فيه وحجمها الفعلي وجد أن الاستخدام المتزايد لوسائل منع الحمل هو نتيجة رغبة المرأة في عدد أقل من الأطفال
والتزام النساء بالأمر قولا وفعلا، أو العكس، إنما يعني أن التمكين .(Pritchett وليس السبب وراء انخفاض نسبة المواليد ( 1994
يؤثر في الخصوبة بتغيير تطلعات النساء وليس بدعم قدراتهن على تحقيق تلك التطلعات.
والتي يفهم منها قدرتهن على الفعل، هي مسألة أساسية في (Sen إن تمكين النساء أو "فاعليتهن" بدرجة أكبر ( 1999
التغير السكاني في العصر الحديث. إن القضاء على أمية النساء، وتعليمهن، وكذلك قدرتهن على كسب العيش والحصول على
وظيفة مستقلة خارج نطاق البيت، هي أمور تعود بالفائدة ليس على النساء أنفسهن وعلى أسرهن فحسب، بل على المجتمع ككل، إذ
تصبح النساء المتعلمات مشاركات ناشطات في القضايا العامة واتخاذ القرار. والبحث حول الارتفاع بتعليم النساء أو مشاركتهن في
الدخل من حيث أثره الكلي على الخصوبة وعلى الحفاظ على حياة الأطفال وعلى ضم مزيد من النساء الأميات غير الفاعلات في
مجتمعاتهن الضيقة أو في المجتمع ككل، ما زال ينتظر من يقوم به.
الجندر وعلم السكان في المجتمعات الإسلامية
في ربيع ١٩٩٤ م تفجر في وسائل الإعلام المصرية هجوم عنيف استمر طوال الصيف وانقسم حوله المشهد السياسي
المصري بين مؤيد ومعارض للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية والذي انعقد في سبتمبر من نفس العام. فبالنسبة لمعارضيه، مثل
عادل حسين الكاتب في جريدة الشعب، كان المؤتمر مؤامرة ضد الإسلام. ولم يكن ذلك فقط بسبب مناقشة المؤتمر لقضايا مثل
الحياة الجنسية للمراهقين والمراهقات والإجهاض والجنسية المثلية، وكلها سبة للقيم الإسلامية، وذلك في المدينة التي يوجد بها
الجامع الأزهر، ولكن أيضا لأن تنظيم الأسرة والذي كان ضمن جدول أعمال المؤتمر هو "حرب على حيوية الإسلام"، باعتبار أن
نسبة الخصوبة العالية المنتشرة في البلدان الإسلامية هي كما ورد في الجريدة حركة تتجاوز إرادة الإنسان وتعبر عن إرادة الله
.( لتعلن النصر القريب للمؤمنين (افتتاحية جريدة الشعبفي ٢٢ إبريل ١٩٩٤
وإذا ما أخذنا البلدان الإسلامية ككتلة واحدة وقارناها بمتوسط بلدان العالم فإننا نجد بعض الملامح الخاصة، مثل الارتفاع
النسبي لمعدلات الخصوبة وارتفاع معدل وفيات الأمهات وتراجع الإناث في أعداد الرضع والأطفال الذين يبقوا على قيد الحياة،
وارتفاع نسبة الأمية بين النساء البالغات، وانخفاض نسبة العاملات من النساء. هذه الملامح كلها ترتبط إلى حد ما بعضها ببعض،
وعادة ما يتم إرجاعها إلى الثقافة الإسلامية التي تميز الذكور وتحد من حرية التفاعل بين الجنسين. فنجد في سياق التعددية
الموجودة في الهند أن المحدد الإحصائي الثاني للنتائج السكانية بعد أمية النساء هو مدى كونها مسلمة أو غير مسلمة، في حين أنه
Drèze and) بعيدا عن أمية النساء لا تقدم متغيرات مثل الفقر أو أمية الرجال أو التحول إلى الحضر أي تأثير على تلك النتائج
.(Murthi 2001
ومن هنا تتركز أعين النسويات والمجتمع الدولي للسكان على المجتمعات الإسلامية. إن مسؤولية النمو السكاني السريع
عن فشل الأهداف التنموية كان عاملا رئيسيا في إنشاء صندوق الأمم المتحدة للسكان في ١٩٦٩ م، والذي ما لبث أن أصبح أكبر
مصدر دولي للمساعدة في وضع برامج للسكان. وبالقطع فإن مسؤولية الوضع المتدني للنساء عن استمرار النمو السريع للسكان،
وكذلك النظم الاجتماعية للبلدان الإسلامية التي تضع النساء في مكانة دنيا، لعبت دورا في تعيين النساء المسلمات لرئاسة المنظمة:
٢٠٠٠ م) ثم ثريا عبيد (منذ ٢٠٠١ م)، وهي أول مواطنة سعودية ترأس هيئة في الأمم المتحدة. - الباكستانية نفيس صادق ( ١٩٨٦
وفي العديد من التصريحات استخدمت كل منهما موقعها كامرأة مسلمة للدعاية علنا إلى تمكين النساء باسم الإسلام.
فعلى سبيل المثال، قامت نفيس صادق بالإعلان في منتدى في الخرطوم قائلة "إن ختان النساء عادة منتشرة في هذا البلد.
دعوني أؤكد لكم بصفتي مسلمة وبالرجوع شخصيا إلى العديد من كبار العلماء أن هذه الممارسة لا أساس لها في التعاليم الإسلامية
... يجب أن تكون وفيات النساء عند الولادة في السودان أقل كثيرا مما هي عليه الآن: وهذا ليس مجرد مبدأ دولي أو هدف قومي
ولكنه مسؤولية أخلاقية وواجب دينى على المسلمين." وقالت ثريا عبيد في نيويورك "لقد ذهبت في سن الثالثة إلى مدرسة لتعليم
٤٤٣
القرآن لأن أهلي أرادوا لي أن أتعلم القراءة والكتابة مثل أخوتي الصبيان. وكانوا محقين في اعتقادهم أن إيمانهم بالإسلام يفرض
.(http://www.unfpa.org/about/ed/executivedir.htm) " عليهم تعليم أبنائهم
والعالم الإسلامي ليس كتلة واحدة بالطبع، وهناك تنوع سكاني هائل بداخله. كما أن مسألة تأخر التحول السكاني لا يعني
أن ذلك التحول بطيء. ففي مناطق عديدة من العالم الإسلامي نجد تغيرات سكانية تدعو إلى الدهشة بسبب سرعتها. ففي بلدان مثل
المغرب في ثمانينات القرن العشرين والجزائر وليبيا في تسعينات القرن نفسه نجد أن التغيرات في معدل الخصوبة كانت سريعة
لدرجة أن الإحصائيات التي كانت الهيئات الدولية تقدمها كانت دائما أبطأ من التطورات الحقيقية. ولقد شهدت جمهورية إيران
الإسلامية أسرع تحول في معدلات الخصوبة تم تسجيله في التاريخ، حيث انخفض المعدل من ٦,٤٠ طفل لكل امرأة في ١٩٨٦ م
وقد تطلب الأمر اثنتي عشرة سنة فقط لتحقيق القفزة التي استغرقت .(Abbasi-Shavazi 2001) إلى معدل ٢,٠٦ في ١٩٩٨
قرنين من الزمان في الغرب. وحدث هذا في مجتمع يسوده الأصوليون الشيعة، بل وشجعه رجال الدين الذين رأوا أن سماح
الإسلام بالممارسة الجنسية المبتورة يمكن أن يمتد ليشمل الوسائل الحديثة لمنع الحمل لفترات محددة والتي لا تلغي القدرة على
وهو ما لا نجده بالنسبة ،(Omran الإنجاب نهائيا. ونجد إجماعا بين علماء الدين المسلمين على إباحة تنظيم الأسرة ( 1992
للمسيحية. وفي الجزائر كاد معدل الخصوبة أن يصل إلى نسبة أدنى من الإحلال في ٢٠٠١ م، إذ شهدت البلاد انخفاضا ملحوظا في
معدلات المواليد وكان ذلك في ظل تصاعد نفوذ الأصوليين الإسلاميين.
وقد قدم الباحثون والباحثات أفكارا مقنعة حول ارتباط الأداء الضعيف لمختلف البلدان الإسلامية على مستوى السكان فعليا
Makhlouf-) بالوضع المتدني للنساء، معتبرين أن هذا الوضع لا يرجع إلى الدين بل إلى النظم الاجتماعية والسياسية
واعتبر غيرهم من الباحثين، وكانوا أقل إقناعا، أن ذلك الأداء الضعيف راجع إلى صعود الأصولية ،(Obermeyer 1992
وفي إيران استطاع النظام الإسلامي أن يستخدم .(Oppenheim Mason الإسلامية المعارضة لإمبريالية الثقافة الغربية ( 1997
الإسلام لتمرير مواقف متباينة من القضايا السكانية، وذلك تبعا لاختلاف الظروف السياسية. ففي أثناء الحرب مع العراق كانت
الدعوة إلى الإنجاب باعتباره واجبا دينيا لدعم فئة المؤمنين، ولم يلبث أن تم تبني مفهوم العالم الاقتصادي مالثوس [بشأن العلاقة
الطردية بين زيادة السكان ونقص الغذاء] وذلك مع الانهيار الاقتصادي في إيران، مع إضفاء الشرعية عليه على أساس إباحة
.(Ladier-Fouladi 2003, Mehryar الإسلام لمنع الحمل ( 2000
وحتى بالنسبة للزواج لم يقف الإسلام حائلا دون التحديث. فعلى العكس من مجمل القانون المدني في البلدان الإسلامية
يكاد التأثير الأوروبي على قوانين الأحوال الشخصية أن يكون معدوما، حيث توجد قواعد فقهية واضحة بجلاء في القرآن والسنة
تتناول بالتحديد مسائل الزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال. ومن هنا نجد المعايير القانونية المنظمة للزواج تقدم صورة من
الاستقرار عبر الزمن. وعلى النقيض من ذلك نجد بمعيار الإحصائيات صورة مختلفة تماما تبين حدوث تطور جذري، فالتنمية
العامة والتي تشمل انتشار التعليم على نطاق واسع، والتحول إلى الحضر، وسيادة قطاع الخدمات في الاقتصاد، قد أدت كلها إلى
تأخير سن الزواج عند النساء، وقد ارتفع هذا السن في ليبيا من ١٨ إلى ٣٠ سنة في المتوسط خلال أقل من ثلاثة عقود.
وقد استطاعت معظم الدول الإسلامية أن تصل إلى المساواة بين الجنسين على مستوى التعليم في المدارس، كما أن نسبة
المواليد في انخفاض، وإن كانت أفغانستان وباكستان وبعض البلدان جنوب الصحراء الأفريقية أكثر تراجعا في هذا المجال. ومع
ذلك فهناك ملمحان يتصلان اتصالا لصيقا بالمشهد الإسلامي، وهما تفضيل الابن واستبعاد غالبية النساء المتزوجات من النشاط
الاقتصادي.
لا تبدأ البنات والأولاد حياتهم بفرص متساوية في البقاء على قيد الحياة. ففي حين تقف الطبيعة في صف الإناث من كل
الأعمار، يقوم المجتمع بالعكس. وهنا نجد عوامل "الجندر" وليس عوامل "الجنس" هي التي تخلق وضعا أقل حظا للبنات. ولا نملك
بالتحديد عدد النساء اللاتي قضين من جراء التوزيع غير المتكافئ للرعاية بين الجنسين، وذلك سواء من حيث عدد البنات
وتؤكد الإحصائيات أن النظم الأبوية ينتج عنها .(Sen الصغيرات أو من النساء اللاتي يتعرضن للموت أثناء الولادة ( 1990
معدلات لوفيات الرضع والأطفال من الإناث أعلى من المتوقع بناء على الميزات البيولوجية التي يتمتعن بها. وقد وجدت دراسة
مقارنة لثمان وثلاثين دولة من مختلف دول العالم أن الشرق الأوسط يشهد أعلى فرق بين الإناث والذكور في نسبة وفيات الرضع
٤٤٤
والأطفال (بنسبة ١٧ % أعلى من المتوسط العالمي). كما وجدت الدراسة أن المتغيرات المتعلقة بالصحة (مثل التطعيم ونسبة انتشار
أمراض الطفولة الأساسية وعلاج هذه الأمراض والتغذية، وغيرها) لا يمكن أن تقدم تفسيرا لهذه الاختلافات، والتي يمكن إرجاعها
.(Hill and Upchurch إلى عمليات اجتماعية أخرى - لم يتسن تحديدها بعد ( 1995
إن السكان المسلمين لديهم في المتوسط أقل معدل للنشاط الاقتصادي بين النساء، وهو الملمح الذي يرجع إلى غياب حرية
- الحركة خارج المنزل. ففي تسع دول عربية، حوالي العام ١٩٩٠ م، وفي الأعمار التي تشهد أعلى نسبة التحاق بسوق العمل ( ٢٥
وكانت النسبة بين من لم يسبق لهن .(Fargues : ٢٩ عاما) وجد أن ٢١,٧ % من النساء فقط يعملن في وظائف (نتائج غير منشورة
.(% الزواج تقارب الضعف ( ٣١,٢ %) بالنسبة لمن سبق لهن الزواج، سواء من أنجبن منهن أطفالا ( ١٧,٧ %) أو لم ينجبن ( ١٧,١
وفي كل المجتمعات نجد محاولة لتقسيم الوقت ما بين العمل خارج المنزل ورعاية الأطفال، ولكن في المجتمعات العربية يبدأ هذا
من قبل أن يولد الأطفال، بمجرد الزواج. فوجود الزوج، لا الأطفال الصغار المحتاجين إلى الاعتماد على الآخرين، هو ما يخرج
المرأة من سوق العمل. ونجد النساء العاملات بصفة ملحوظة في مجالي التعليم والصحة، وهو دليل على ترحيب المجتمع عامة
بهذا العمل، ولكن هذه الوظائف تحتلها أساسا النساء غير المتزوجات، وهو دليل على عدم تحبيذ الأسرة مسألة عمل الزوجات.
ولعل الأمر كان مختلفا في الماضي. فالإحصاءات حول السكان هي نتاج عمل الدولة الحديثة ولا تقدم معلومات عن المراحل
وينطبق .(Tucker 1985, al-Sayyid Marsot السابقة والتي ربما كانت النساء فيها أكثر انخراطا في العمل الاقتصادي ( 1995
هذا الكلام أيضا على المستقبل، فقد ارتفعت نسبة مشاركة النساء في قوة العمل في التسعينات من القرن العشرين نتيجة انخفاض
.(Moghadam القيمة الفعلية لرواتب الرجال الذي صاحب الإصلاحات الاقتصادية ( 1998
ويبدو أن التوجه المحافظ متأصل في البنى الاجتماعية لا الدينية. فالنظام الأسري السائد في غالبية البلدان الإسلامية يعتبر
بشكل عام نظام أبويا يتميز بوجود نوعين من التراتبية الهرمية الصارمة: النوع الأول بين الأجيال لصالح الكبار، والثاني بين
الجنسين لصالح الرجال. ويطرح الانخفاض في نسبة المواليد تساؤلا بشأن مسألة التراتب الهرمي بين الأجيال، والذي يعتمد على
أن الصغار في درجة أقل من الابن الأكبر. ففي الأسرة المكونة من طفلين - في المتوسط بنت وولد - يختفي هذا النظام لغياب
الأخوة الصغار. أما التراتب الهرمي بين الجنسين فهو يضعف كذلك مع ازدياد تعليم النساء. وتشير الدلائل إلى اقتراب خريف
ففي باكستان وهي إحدى البلدان الأقل تقدما فيما يتعلق بالإنجازات في المجال السكاني، اتضح .(Fargues السلطة الأبوية ( 2000
أن من العقبات الخطيرة أمام استخدام وسائل منع الحمل كانت شعور المرأة أن ذلك يتعارض مع آراء الزوج، ولكن البحث نفسه
أظهر أن تصورات الزوجات حول آراء أزواجهن لم تكن دقيقة تماما، وأن حيلولة القيم الأبوية دون التغير السكاني أخذ في التراجع
.(Casterline et al. بالتدريج ( 2001
المؤشرات المتعلقة بالجندر وغيرها من المؤشرات السكانية في البلدان الإسلامية
المؤشر الدول الإسلامية* الدول الأخرى
السكان المسلمون ٠,٠٥٥ ٠,٩٠٨
السكان ٢٠٠٠ (بالمليون) ٥٠٢٨ ١٠٦٦
٧,٠٨٠,٣ ٣,٠٩٣,٨ إجمالي الناتج المحلي/للفرد ٢٠٠٠
مؤشر التنمية البشرية ٠,٦٩٥ ٠,٥٨٩ ١٩٩٩
مؤشر التنمية المتعلقة بالجندر ٠,٦٧٧ ٠,٥٤٦ ١٩٩٩
معدل وفيات الأمهات عند الولادة ١٥٥,٥ ٢٣٣,٢
٤,٦ ٦,١ ١٩٧٥- إجمالي معدل الخصوبة ١٩٧٠
٢,٦ ٣,٥ ٢٠٠٠- إجمالي معدل الخصوبة ١٩٩٥
معدل نشاط النساء ٥٦,٥ ٤٤,٠ ١٩٩٨
معدل النساء القادرات على القراءة والكتابة
(النسبة المئوية للبالغات ١٥ سنة فأكبر) ١٩٩٨
٧٣,٢ ٤٦,٢
٤٤٥
النسبة المئوية لمعدل النساء القادرات على القراءة
والكتابة بالمقارنة بالرجال ١٩٩٨
٨٣,٢ ٥٨,٥
٢,٣١ ٣,٢٤ ٢٠٠٠- معدل الزيادة السكانية ١٩٥٠
*البلدان التي يشكل المسلمون فيها غالبية السكان.
نسبة السكان .UNDP المصادر: تم حساب المؤشرات من خلال "تقرير التنمية ٢٠٠٠ " الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية
P. Fargues, Demographic Islamization: ) المسلمين تم حسابها من مقال فارغس عن أسلمة السكان: غير المسلمين في البلدان المسلمة
Non-Muslims in Muslim Countries, in SAIS Review (The Paul H. Nitze School of Advanced International Studies, Johns
.(Hopkins University, Washington) 21:2 (Summer-Fall 2001), 103-16
الحدود النظرية لعلم السكان
هناك ثلاث حجج منهجية يتم تقديمها عادة في معارضة التفسيرات التي تربط سببيا العلاقة ما بين الوضع المتدني للنساء
والتأخر في التحول السكاني.
أولا، إن المتغيرات المتوسطة بين التغيرات في وضع النساء من ناحية وانخفاض معدلات الوفيات والمواليد من ناحية
أخرى ليست محددة بدقة. فعلى سبيل المثال، يرفع التعليم من قيمة الوقت المتاح الذي تمنحه المرأة لأولادها، ويخفف من اعتماد
الأم على أبنائها في إعالتها عند الكبر، ويمنحها استقلالا أكبر في تحديد أهدافها، ويجعلها منفتحة على العالم الخارجي وعلى النماذج
البديلة، أو يجعلها أكثر قدرة على تجنب الحمل غير المرغوب فيه. وهي كلها آليات مختلفة يمكن من خلالها أن يؤدي التعليم إلى
خفض معدل الخصوبة. ولم يقرر علماء السكان أي من هذه الآليات قادرة على التأثير الفعلي. بالإضافة إلى هذا فإن معدلات
المواليد المنخفضة ليست مسألة خارجة تماما عن فاعلية النساء، بل هذه المعدلات عناصر لفاعلية النساء لأنها عناصر تدعم
الحرية.
ثانيا، يتم تقييم وضع النساء عن طريق وسطاء. فصحيح أن تعليم النساء وقدرتهن على كسب دخل أو عدم زواجهن في
سن مبكرة كلها ترتبط بالفاعلية، ولكن كل هذا لا يتضمن القدرة الفعلية على فرض سلطتهن في اتخاذ القرارات. بالإضافة إلى ذلك
فالوسطاء قد يكونون خاضعين لسياقهم. فعلى سبيل المثال نجد أن درجة تعليم الزوج، والتي عادة ما تعتبر مؤشرا على الوضع
الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، تمثل في تركيا مؤشرا على علاقات القوى بين الجنسين في داخل الأسرة، بل ومؤشرا أفضل حتى
.(Kishor من درجة تعليم الزوجة. إن مضاعفة الوسطاء تقدم مجرد حل إحصائي ( 2000
ثالثا، عادة لا يمكن التعرف على الوسطاء من خلال البيانات المجموعة. فجمع البيانات يتم على أرض المجتمع بما يحمله
من انحيازات بين الجنسين. وينطبق هذا خاصة على قياس النشاط الاقتصادى للإناث، ففي معظم البلدان المسلمة يكون تعداد السكان
مهمة الرجال، إذ يقدم رجل الأسرة المعلومات لباحث رجل كذلك حول عدد أسرته بما في ذلك النساء. والمبحوثون يعتبرون أن
العمل الرسمي مدفوع الأجر خارج المنزل هو العمل الوحيد الذي يعتبر نشاطا اقتصاديا. وبذلك تسقط الإحصائيات كل عمل المرأة
والتصنيف .(Donahoe 1999, Anker and Anker الذي يقع ما بين العمل المنزلي والوظيفة الكاملة بعيدا عن الأسرة ( 1995
الذاتي لن يقدم بالضرورة نتائج أفضل، فالتصورات الاجتماعية عن العمل والتي يخلقها السياق الذي تعيش فيه النساء، والذي ينحاز
لجنس دونا عن الآخر، هي تصورات موجودة لدى النساء أنفسهن. وهذا الانحياز المتأصل في المجتمعات الأبوية يكتسب مزيدا من
الدعم في البلدان المسلمة من خلال الإطار القانوني، إذ أن المسؤولية المادية عن الأسرة هي واجب الرجل قانونا، في حين أن
الدخل الذي تكسبه المرأة يظل ملكيتها الخاصة.
أما الحجة الرابعة التي يجب طرحها فهي أنه ربما كانت هناك حلقة مفقودة ما بين التغيرات في وضع النساء والنتائج
السكانية. فمعدل الخصوبة في انخفاض في كل مكان ويظهر شيئا فشيئا توافق العالم حول نسبة منخفضة للخصوبة، في حين أنه لا
توافق واضح حول المسائل الخاصة بفاعلية النساء. وقد شهدت إيران انخفاضا في معدل الخصوبة هو الأكثر حدة، من دون أن
يحدث تغير بدرجة مماثلة للمتغيرات المفترض أنها مرتبطة به. فمثلا نجد ارتفاعا في تعليم البنات بين الأجيال الأصغر سنا ولكنه
٤٤٦
ارتفاع تدريجي، ولم يتم تسجيل تغير ملحوظ في الأبعاد الأخرى الهامة بالنسبة لفاعلية النساء، مثل كسب الدخل أو التمتع بحرية
الحركة.
وهناك من أشار إلى أن أنظمة علاقات القوى بين الجنسين يمكن أن يكون لها تأثير شرطي على سبيل التداعي، ولكن
فاكتساب النساء للمساواة داخل الأسرة، بالرغم من استمرار .(Oppenheim Mason ليست لها علاقة سببية مباشرة ( 1997
أشكال عدم المساواة في المؤسسات الأخرى (مثل سوق العمل)، يمكن أن يخلق سياقا مواتيا لتغيرات تؤثر في قدرتهن على اتخاذ
ومع ذلك يظل البحث عن الأسباب مفتوحا. ولعل العوامل الاقتصادية .(McDonald القرار في شؤون بناء الأسرة ( 2000
والسياسية والتي تخضع لتغيرات سريعة تكون المرشحة المناسبة. فتوقف سياسة الدعم الحكومي للخدمات الأساسية والتي تتبناها
البلدان النامية ضمن متطلبات إعادة الهيكلة، وفي ظل عجز تلك الحكومات عن وقف تدفق المعلومات خارج حدودها السياسية،
وكذلك انتشار نماذج مختلفة من خلال وسائل الإعلام العالمية الجديدة، كل ذلك قد خلق تركيبة من الوعي والتطلعات والإحباطات
التي ربما تكون قد لعبت دورا في إحداث التغير السكاني.