التخطيط الإقليمي والتنمية
تأليف : نجدت قاسم
في تقرير عن الأمم المتحدة الصادر عن المؤتمر الدولي للإسكان وتنمية المجتمع «يؤكد المؤتمر أن أسلوب التخطيط الإقليمي هو وحده القادر على معالجة المشاكل التي تصاحب النمو السريع والازدحام المخيف في المدن بما يقدمه من وسائل علمية وطرائق فنية لتحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة للمناطق الريفية والحضرية على السواء في جميع أنحاء البلاد».
والواقع أن التخطيط العلمي السليم يجب أن ينبثق من واقع المنطقة وظروفها، من مشاكلها و احتياجاتها من مطالبها ورغباتها، من مواردها وإمكاناتها، من آمالها وطموحها من عاداتها وتقاليدها، من ماضيها وحاضرها لا يمكن لأي جهاز تخطيط على المستوى القومي مهما بلغت درجة كفاءته ودقته أن يراعي هذه المبادئ الأساسية في إعداد الخطة القومية ما لم تكن هناك أجهزة تخطيط إقليمية تساعده وتقوم بدراسة هذه الحقائق وتنفعل بواقع الأقاليم لتعبر بصورة واقعية عما هو كائن وما يجب أن يكون ولتساهم بأبحاثها ودراساتها وإمكانياتها في تحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة في إطار الخطة القومية.
والتخطيط الإقليمي regional planning يعمل على تدعيم الإدارة وتطوير أجهزتها المختلفة لتؤدي رسالتها بالسرعة المطلوبة والكفاية اللازمة عن طريق تزويدها بنتائج البحوث والدراسات التي توضح لها بطريقة موضوعية كيفية التغلب على المشكلات التي تواجهها وتحدد بوسائل علمية مدروسة الطريق لعلاج بيروقراطية الإدارة وروتينها وترسم السبيل لتطوير أجهزة الإدارة بحيث تصبح خلايا ديناميكية حية ووحدات إيجابية فعالة لتحقيق أهداف الخطة الإقليمية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقد عقدت الأمم المتحدة مؤتمراً للتخطيط الإقليمي في طوكيو ومما جاء فيه «للوصول إلى الانسجام والتكامل التخطيطي ينبغي الالتجاء إلى التخطيط الإقليمي لأن الإقليم باعتباره حلقة الوصل بين المجتمع القومي والمجتمعات المحلية يقدم الإطار المناسب لتحقيق التكامل بين المشروعات والبرامج التخطيطية التي تضعها الأجهزة القومية والأجهزة المحلية وتنسيق هذه المشروعات والبرامج بالصورة التي تحقق التوازن والانسجام بينها من ناحية وبين المناطق المستفيدة منها من ناحية أخرى».
يتضح مما سبق أن التخطيط الإقليمي هو الدعامة الأساسية التي تعتمد عليها خطط التنمية ضماناً لفعالية القرارات الإنتاجية والاستهلاكية والاستثمارية ليس في مرحلة الإعداد فحسب بل وفي مرحلة التنفيذ وعلى ذلك فإن أهداف التنمية الإقليمية لا يمكن فصلها عن أهداف التنمية الشاملة.
وبوجه عام يستهدف التخطيط الإقليمي تحقيق نمو متكافئ بين أقاليم الدولة يساعد على القضاء على الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بينها كما يحد من العيوب الناجمة عن الاتجاهات التلقائية في مجالات توزيع الخدمات وتوطن الصناعات فالتنمية هي عملية كفاية وعدل، والكفاية هي زيادة في حجم الثروة القومية والدخل القومي وهذا ما تسعى الدول إلى تحقيقه بكل وسائل الترشيد والتحسين والتجديد والتخطيط.
أما العدل فهو بلغة هربرت سبنر عملية إعادة توزيع للثروة والأجور والدخول والخدمات والوظائف.
وفي ضوء ما تقدم يمكن تعريف التخطيط الإقليمي بأنه: ذلك الأسلوب من أساليب التخطيط الذي يدخل البعد المكاني في الاعتبار عند تقرير توزيع مشروعات الخطة على مختلف أقاليم الدولة بقصد تخفيف حدة التفاوت بين مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية.
ولم ينكر أحد أن التخطيط الاقتصادي هو أساس التخطيط وهو يسبق بالضرورة كل تخطيط آخر وستظل الصدارة دائماً في التخطيط هي للتخطيط الاقتصادي «تخطيط الموارد والإنتاج» لدفع عجلة الإنتاج ودفع المد الخلاق للتنمية ولكن الذي لن ينكره أ؛د كذلك هو أنه بجانب هذا التضخم في التخطيط الاقتصادي فإن أنواع التخطيط الأخرى تبدو باهتة حتى الآن وتتراجع على أحسن تقدير إلى المؤخرة وربما احتج بعضهم بأن هذه الفروع من التخطيط أقرب في طبيعتها إلى الاستهلاك وقد يضاف كذلك إن هذه الفروق بالذات أصبحت منالاً في التخطيط وأنها كذلك بالتأكيد ولكن هذا لا يبرز ضآلة نصيبها من عملية التنمية..
ومما يجدر بنا التذكير به هو أن هدف التنمية يتمثل بضرورة تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية إلا أن النظريات اختلفت حول سبل الوصول إلى هذه الغاية وأهميتها فمعظم النظريات التي تناولت التنمية اعتبرت أن تحقيق معدل نمو في الناتج الإجمالي يفوق بشكل ملحوظ معدل نمو السكان يؤدي إلى تحقيق التنمية وأن انخفاض مستوى الادخار في البلدان النامية وبالتالي ضعف القدرة على الاستثمار هو المشكلة الرئيسية التي تعترض تحقيق النمو المطلوب لكن التجارب أثبتت أن تحقيق معدل نمو مرتفع لا تنعكس نتائجه تلقائياً بشكل إيجابي على البشر إذ أن الادخار يحتاج إلى ضمان توفير العمالة الكافية ليصبح بإمكان الأسر تحسين معيشتها وبالتالي ادخار الفائض لكن الواقع يبرز ارتفاع نسبة البطالة في معظم دول العالم فكيف لهم أن يدخروا ما هم بحاجة لإنفاقه من أجل الاستمرار في الحياة وبالتالي فإن بعض النظريات وجدت في التمويل الخارجي الحل لسد الفجوة بين الاستثمار والادخار المحلي ولكن الاختلاف كان حول استراتيجية التنمية أي حول الأولويات المتبعة في برنامج الاستثمار فلمن تعطى أولوية الاستثمار؟ للبنى التحتية في المجتمع؟ للزراعة أم للصناعة؟ وهل يجب التركيز على الاستثمار في الصناعات الثقيلة أم الخفيفة؟
كما أن هناك اختلاف حول الجهة التي تقوم بعملية التنمية هل هي القطاع العام أم الخاص إلا أن العنصر البشري لم يطرح في إطار نظريات التنمية إلا من حيث معدل النمو السكاني المرتفع والذي يحتاج إلى معدلات استثمار أكبر.
لذا نجد أن نجاح عملية التنمية يعتمد على أمرين:
1- التركيز على دراسة الموارد البشرية في كل إقليم وطرق تنميتها والاستفادة منها في ضوء الموارد الطبيعية المتاحة في الإقليم والعمل على إيجاد أفضل الاستراتيجيات النابعة من واقع هذا الإقليم ومتطلباته للسير نحو تنمية متكاملة.
2- استخدام التخطيط الإقليمي كوسيلة للتنمية حيث درس اهتم بتنمية المدن مع تنمية الأرياف ودراسة الأقاليم المحيطة وجغرافية المكان والموارد البشرية والطبيعية المتاحة. ومن هنا اكتسب أهميته من خلال دراسة زيادة مقدرات الفرد أو الأفراد في هذا الإقليم فكلما كان دور الفرد صحياً وفاعلاً كانت عملية التنمية مجدية وسليمة فالإنسان كما ذكرنا سابقاً عصب التنمية الأساسي وغايتها بالدرجة الأولى.